مواضيع تم تصنيفها حسب التاريخ : الأربعاء, 23 تموز/يوليو 2025

 "العمل المسرحي يتغذى من الواقع، ومسرحية "بينومي" ليست منبتة عن واقع الشعب التونسي بل ملتصقة به جدا، لذلك يجد المتفرج نفسه داخل هذا العمل، والعرض تغير حسب الأحداث التي صارت في العالم، واختلفت بعض المواضيع المطروحة في عرض قرطاج مقارنة بالعروض السابقة". الممثل صابر الوسلاتي أحد أبطال مسرحية "بينومي"وساهم في كتابة النص والحوار.

عندما وجدت مسرحية "بينومي.." مبرمجة ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي وكنت قد شاهدتها السنة الفارطة في الحمامات ضمن مهرجانها الدولي٫ تساءلت: هل سينجح هذا العرض المسرحي الكوميدي الذي جاب المهرجانات طولا وعرضا خلال سنة 2024 كما أنه وجد طريقه إلى البرمجة حتى في عدد من النزل السياحية المرموقة خلال نفس السنة؛ في تحقيق نجاح جماهيري وفني على المسرح الروماني بقرطاج الذي لم يبرمجه السنة الفارطة وهو في أوج نجاحه وبرمجه هذه السنة رغم تراجع الاقبال على برمجته في المهرجانات الكبرى؟

الإجابة عن هذا السؤال المحير لم تتأخر فعند دخولي إلى المسرح الروماني بقرطاج قبل ربع ساعة من بداية العرض وجدت مكانا بصعوبة فالمسرح كان ممتلئا والتذاكر نفذت قبل انطلاقه والجمهور كان متنوعا حيث كان من مختلف الأعمار والأجيال.

 وعندما تجاوز العرض الساعتين تساءلت هل سيدب الملل إلى الحاضرين؟ هل سيخرجون قبل استكماله؟ وهل بمقدور صناع العرض شدهم نصف ساعة اخرى أو أزيد عن ذلك قليلاً؟ أم ستكتفي الجماهير بذلك القدر وتغادر المسرح الروماني دون معرفة خاتمة قصة حاميدو بطل المسرحية الهارب من الوحدة الموحشة والباحث عن رفيق أو رفيقة تقاسمه مسكنه؟ والأهم من ذلك هل سيجد حميدو مصمم الأزياء المغمور ضالته في المحاولة الأخيرة ويخرج من براثن الوحدة أم يفشل كما فشل في المحاولات السابقة التي قدمت طيلة ساعتين من العرض ويعمل بالمثل القائل "الوحش ولا الأذى"؟

التوصل إلى إجابات عن هذه التساؤلات على عكس ما حصل معي بخصوص تساؤلات ما قبل العرض حيث لم تكن حينية فقد تطلب مني ذلك التأمل والتريث؛ وقد قادني التأمل إلى المراوحة بين مشاهدة العرض من جهة ومشاهدة ردة فعل الصحفيين والاعلاميين الذين بحانبي والجمهور الذي غصت به المدرجات والذي يصله بصري من جهة ثانية؛ وقد لاحظت تركيزا كبيرا لدى الصحفيين والاعلاميين مع الابتسامة العريضة عند المواقف المضحكة والانبهار عند الجرأة في التطرق إلى مواضيع حارقة بعضها متداول وبعضها مسكوت عنه..

بالتوازي مع ذلك كان التفاعل كبيرا بين الجمهور والممثلين من بداية العرض إلى نهايته كما لاحظت أنه لم يغادر المسرح قبل انتهاء العرض إلا عدد قليل ولا يكاد يذكر من الجماهير  التي دخل بعضها قبل ازيد من ساعتين على بدايته لضمان الحصول على الزاوية التي يحبذونها أثناء المشاهدة.

 وقادني الصبر والتريث إلى البقاء بعد العرض للاستماع إلى اراء عدد من متابعي المسرحية مباشرة بعد استكماله وقد لمست وجود شبه اجماع على استمتاع الحاضرين بالعرض واشادة معظمهم بأداء الممثلين واستحسانهم ما طرحته المسرحية من أفكار ورؤى ونقد لعدد من الظواهر والممارسات الموجودة في مجتمعنا .

وجدير بالذكر مسرحية "بينومي" من إخراج عزيز الجبالي سينوغرافيا صبري العروس تمثيل عزيز الجبالي وصابر الوسلاتي وياسمين الديماسي وفاطمة صفر وجهاد الشارني وعصام عبسي ومحمد السويسي وضيف شرف العرض الشيخ محمد بن حمودة أما النص فهو جماعي.

وقد تم الإعتماد طيلة المسرحية التي تواصل عرضها على امتداد ساعتين وخمسة وثلاثين دقيقة على ديكور وحيد يتيم ظل جامدا ولم يتغير وهو تجسيم لشقة سكنية س+1 في عمارة يقطنها 'حميدو" (عزيز الجبالي) وهو مصمم أزياء، يرغب في الخروج من الوحدة التي بدأت تخنقه وقد وجد الحل في البحث عنه شخص يشاركه السكن على ان تتوفر فيه جملة من الشروط.

لبلوغ هدفه يستعين صاحب المسكن بتاجر سيء السمعة ويعمل أيضا وسيطا عقاريا اسمه كلخة (صابر الوسلاتي) الذي يستغل الوضع للتحيل على صاحب المحل لسلبه ماله غير مبالي بالمخاطر التي سببها له والتي قادته إلى استهلاك الممنوعات عن غير قصد وايواء بائعة هوى ومنتحل صفة محامي في حين يشتغل في توزيع المخدرات...

فالسمسار المتحيل كلخة وهو أيضا مخبر كان يقوم بدافع جني اكبر قدر ممكن من الاموال ولو كان ذلك على حساب الراحة النفسية التي يبحث عنها حميدو الذي استنجد به وعول عليه ووثق به لكن العكس هو الذي حصل فكلخة كان يجلب في كل مرة لحميدو متسوغا جديدا، لا تتوفر فيه الشروط التي حددها حمييدو ومع قدوم الباحث او الباحثة عن كراء وقابلة بفكرة الكراء المشترك تتالى الاطلات لشخصيات جديدة وتتالى معها المواقف المحرجة والمبكية والمضحكة في ذات الوقت.

من خلال الشخصيات التي جاءت تبحث عن كراء واردت قسمت المسكن مع حميدو نكتشف أيضا فسفيساء من الشخصيات السوية والغير سوية ونشاهد تجسيدا لعدد من الممارسات الاجتماعية التي خلناها انقرضت لكن تم الإشارة إلى انها مازالت موجودة وتنخر كيان المجتمع ولحمته وتوازنه.

ومن بين المواضيع المهمة التي اثارتها مسرحية "بينومي" موضوع العنصرية والتفرقة الجهوية التي تجسدت في مشهد يجمع شخص بلدي أي من سكان العاصمة وصاحب البيت وهو (من الجهات الداخلية) وقد جسد الفنان عبد الحميد بوشناق شخصية "البلدي" وقدمها بحرفية، واقتدار واقناع.

أما اثارة موضوع العنصرية فتجسد من خلال الاشارة إلى معاناة أفارقة جنوب الصحراء في تونس وسوء المعاملة التي وجدوها من عدة اطراف نافذة.

كما خصصت المسرحية جيزا زمنيا لمسألة حرية التعبير ومدى تأثر منسوبها بمرسوم 54.

كما عرجت المسرحية على مسألة الصنصرة في الاعلام وإلى دور المثقف ومدى وعيه بقضايا الأمة وذلك عبر شخصية الشاعرة مجدولين (ياسمين الديماسي)، التي اختارت طريق المدح والمبالغة لكسب الشهرة والمال.

القضية الفلسطينية كانت ايضا حاضرة في مسرحية بينومي مع رفع العلم الفلسطيني على الركح وسط تصفيق الجماهير وهتافها الحرية لفلسطين. وفي تعليقه على ذلك قال الفنان عزيز الجبالي خلال الندوة الصحفية التي انتظمت بعد العرض لا نستطيع انجاز عرض دون الحديث أو الإشارة لتضحيات الشعب الفلسطيني،"

وفي تقديري يعود عدم تأثير برمجة مسرحية بينومي هذه السنة في مهرجان قرطاج الدولي على الاقبال الجماهيري رغم انها عرضت السنة الفارطة في عدة مهرجانات في جانب كبير منه إلى الشعبية الكبيرة التي حققها عدد من أبطال وبطلات مسرحية "بينومي" في مختلف الاعمال الدرامية والمسلسلات الرمضانية والافلام التجارية الاخيرة.. فعدد لا بأس به من الجماهير التي اقتنت تذاكر عرض"بينومي" جاءت لترى الديناري والورل؛ ولا يهم إن أصبح الديناري.. كلخة.. الورل حميدو..

               بقلم: ر. س