HAKAIA Worldwide is a popular online newsportal and going source for technical and digital content for its influential audience around the globe. You can reach us via email or phone.
+(785) 238-4131
hakaia.latifa@gmail.com
وراء كلّ مشروع ثقافي جديّ وناجح، هناك مجموعة من المبادئ والاعتقادات الراسخة، الكثير من الجرأة والشجاعة، وأناس آمنوا بالتنوّع، و جازفوا بخيارات فنيّة لم يكن استحسان الجمهور لها مضمونا بالضرورة. وراء النجاح، هناك الكثير من التجارب، شجاعة على مستوى التنوّع والذوق، وجرأة في الجماليات منها المتّفق عليه ومنها ما يشكّل قوّة اقتراح ودعوة للاكتشاف.
كلّ هذا وغيره، جعل من مهرجان قرطاج الدولي علامة مميزة ضمن الخارطة العالمية لأكبر المهرجانات الفنيّة، ولعب في تونس دور المحرار الذي تقيس به السلطة مدى نجاحها في تحقيق الأهداف التي رسمتها ضمن سياساتها الثقافية إثر الاستقلال.
مهرجان قرطاج الدولي: العلامة المميزة
قيمة مهرجان قرطاج الاستراتيجية التي تنخرط في مشروع وطنيّ متكامل وقيمته الفنيّة من حيث التنوّع والمراهنة على مستويات ذوقية وجمالية بمقاييس عالميّة، ساهمت في تحويل هذه التظاهرة، في وقت قصير إثر تأسيسها، إلى حلم العديد من الفنّانين في العالم، ومنعرجا أساسيّا في مسيرة الكثير منهم، ويعود ذلك إلى جملة من العوامل، لعلّ أهمّها قيمة الجمهور على مستوى الذوق الفنيّ، حيث اعتاد على برمجة فنيّة في مستوى تطلّعاته، واكتشافات تفاجؤه في كلّ مرّة وتضمن عودته في الدورات القادمة.
يمكن أن نقول إذن، إنّ لمهرجان قرطاج علامة مميزة في خارطة المهرجانات العالمية وإرث ثريّ، وتمشّ واضح من الممكن أن نبني عليه تصوّرا للدورات القادمة ومستقبله ككلّ، دافعه الأساسي هو التميّز وخلق كلّ مقوّمات الاستمرارية والنّجاح، بناء على خيارات تتمحور جميعها حول الذوق السليم الذي يحمل بدوره تنوّعا كبيرا، ويحتوي مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية، والتعبيرات الفنية بجميع أنماطها من الكلاسيكيّ إلى العصريّ.
في هذا الإطار، تعمل كل من المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية والهيئة المديرة لمهرجان قرطاج الدولي على إعادة المهرجان إلى مكانته الأصلية وإشعاعه الأول الذي لا يمكن أن تضمنهما سوى برمجة نوعيّة وذات قيمة عالية تحترم ذوق الجمهور في تنوّعه واختلافاته وتعتني بالمشاريع والأسماء الفنيّة التي تعكس إنتاجاتها مجهودا وجديّة .
مشروع وطني محدّد في السياسة الثقافية:
طالما شكّل مهرجان قرطاج الدولي مشروعا ثقافيّا وطنيّا، يمكن لنجاحه أن يعكس جزء هامّا من نجاح السياسات الثقافية في تونس. فهو يحمل كلّ مقوّمات السياسة الثقافية المنتهجة في تونس منذ الاستقلال، انطلاقا من رهان الهوية والتراث، من خلال اختيار الموقع الأثري بقرطاج كفضاءلهذه التظاهرة، وصولا إلى دعم الإنتاج الفنّي الذي كان يؤمّنه تاريخيّا المهرجان من خلال الإنتاج والمشاركة في إنتاج العروض، موسيقية كانت أو مسرحية. كما تجدر الإشارة، إلى أن السياسات الثقافية هي وثيقة لا يمكن للدولة بمؤسساتها أن تكون المسؤول الوحيد على صياغتها وتحديد معالمها، حيث يتطلب ذلك انخراط كلّ الأطراف بالوسط الثقافي من قطاع خاص ومجتمع مدني.
لا يمكننا اليوم أن ننكر غياب السياسة الثقافية في تونس خاصة خلال العقدين الأخيرين، وقد أثّر هذا التراجع على أغلب المشاريع الثقافية التي تديرها الدولة، وأهمّها مهرجان قرطاج الدولي الذي فقد شيئا فشيئا أبرز ملامحه المتعلقة خاصة بالقيمة الفنية لبرمجته، وخسر بذلك موقعه الرئيسي في الخارطة العالمية للمهرجانات، ولم يعد بالتّالي محدّدا لفهم خاصيات الذوق المشترك في تونس.
في هذا السياق، تتعامل المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية مع الدورة 56 لمهرجان قرطاج الدولي ك"مشروع نموذجيّ"، لا ينفصل بأيّ شكل من الأشكال عن تاريخ المهرجان، بل سنواصل من خلاله البناء على أسس التظاهرة الأولى، وهي الجرأة والشجاعة في التجربة وفي الاقتراح لإعادة الثقة مع جمهور بدأ في التخلي عن هذا المهرجان وهجره.
حين نتحدّث عن مهرجان قرطاج، لا يمكن أن نتوجّه فقط للجمهور، بل وجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه التظاهرة، هي القلب النابض لشبكة موسّعة من العلاقات تجمع بين الفنّانين والمهنيّين والفاعلين الثقافيّين بشتى أنواعهم، و لبيئة اجتماعية واقتصادية متشعّبة لا يجب أن تبقى على هامش التخطيط للمهرجان وهيكلته، بل علينا أن ندرجها ضمن الدوافع الأساسية لتصميم هذه التظاهرة وتنفيذها.
الإنتاج والتوزيع:
تحمل المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية دورا تنمويّا بالأساس، من خلال التشجيع على الإنتاج الفنّي والمساهمة في خلق حركية في قطاع الثقافة في تونس، وتأمين التوزيع المحلّي والعالمي، ووضع الآليات وتهيئة الظروف الموضوعية التي من شأنها الارتقاء بالإنتاج الثقافي التونسي نحو الإشعاع في جميع أنحاء العالم، وبالتالي، خلق صناعة ثقافية إبداعية تضبط كل المعايير التي تضمن التنافس حول التميّز والتفرّد.
ستلعب المؤسسة هذا الدور مع مهرجان قرطاج الدولي من خلال التعاون مع هيئته المديرة لاسترجاع تقليد الإنتاج الذي انتهجه مؤسسو هذه التظاهرة. وسيتمكّن مهرجان قرطاج عبر الإنتاج من استعادة واحد من جوانبه، وهو التنمية الثقافية التي تقتضي بدورها الإنتاج والتوزيع على أوسع نطاق في تونس ولم لا بالخارج.
رهان التوثيق:
مهرجان قرطاج الدولي هو جزء هام من الذاكرة الشعبية المشتركة، وهو صرح في تاريخنا المعاصر وأحد الدلائل على نجاحات الدولة في تنفيذ أهدافها الثقافية وإخفاقها كذلك. لهذا، عندما توفرت أمامنا فرصة الوقت (نظرا لإلغاء دورة 2020) والإمكانيات، لم نتردّد في العمل على جمع أرشيف المهرجان بالتعاون مع مختلف المؤسسات المتدخلة تاريخيا في تنفيذه ورقمنتها.
تجيبنا المقالات الصحفية منذ الستينيات والسبعينيات على أسئلة أساسية حول مهرجان قرطاج الدولي ونشأته. وتعرّفنا شهادات المديرين السابقين للمهرجان على الحركية الثقافية التي كانت تحيط بالمهرجان ومختلف أولوياته حينها على مستوى البرمجة الفنية والاقتصاد والاستثمار الثقافي والديبلوماسية الثقافية.
في هذا الإطار، تعمل المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية على إنجاز معرض لمختلف المواد التي تم جمعها ورقمنتها حول مهرجان قرطاج، إضافة إلى إنتاج فيلم وثائقي حول تاريخ هذا المهرجان وإنجاز كتاب نعمل على أن يكون مرجعا للباحثين والقراء والمهنيّين في المجال الثقافي في تونس وفي العالم.