- "محمد الخليفاتي" أو "الشاب مامي" أو "أمير الراي" عشق الفن منذ الطفولة وبداية ظهور نبوغه الفني يعود إلى سنة 1982 وكان عمره آنذاك 16 سنة حيث شارك في الجزائر في برنامج "ألحان وشباب" وحصل على المركز الثاني.
الشاب مامي الذي أسال الكثير من الحبر حول مسيرته الفنية وحياته الشخصية يري في تصريحات صحفية أن: "غالبية ما ينتج حاليًا تحت مسمّى أغنية الراي أضحى وجبة خفيفة. في وقتنا كنّا نبحث عن الكلمات والموسيقى ونتعمّق في الأمر، كنّا نعتبر أغانينا كطبق غذائي يستوجب تحضيرًا جيدًا وتوابل جيّدة ليظهر في حلّة جميلة..".
وعن المحنة التي مر بها وتبعاتها قال بإقتضاب شديد:" كان لها فضلٌ كبيرٌ في اكتشافي للكثير من الأشخاص المزيفين الذين كانوا حولي، هاتفي أصبح لا يرن كالسابق وابتعد عنّي كثيرون.. بعيدًا عن الفن وعن الشهرة وضريبتها، اكتشفت حياة أخرى، صرت أتسوّق بمفردي، أسير في الشوارع، واكتشفت ما يسميه الناس راحة البال."
في ليلية اكتمل فيها القمر، وفي مهرجان يحلوا فيه السهر، وفي فضاء قريب من البحر يكثر فيه الشجر، غصت مدارج مسرح الهواء الطلق في الحمامات بالجماهير التي استطاعت أن تجد تذكرت تمكنها من متابعة سهرة يحييها النجم العالمي الشاب مامي غير عابئة بدعوات مقاطعة سهرته لأن أسسها حسب المقبلين على الحفل ليست فنية بل شخصية، وهو ما جعل تذاكر السهرة تنفذ قبل شهر من موعدها المقرر يوم 08 أوت 2025 والاماكن الشاغرة في المسرح تنفذ قبل ساعتين من انطلاق العرض الحدث، عرض عودة الشاب مامي إلى الغناء في المهرجانات بعد سنوات طويلة من الغياب، غياب لم يكن سهلا عليه ولا مستساغا لدى محبيه الذين انتظروا عودته بفارغ الصبر وكانوا في الموعد عندما عز اللقاء.
بعد ساعتين من الانتظار قضيتها وسط جمهور متنوع، بعضه من جيلي وعدد لا يستهان به من الجيل الجديد، صعد الشاب مامي إلى ركح المسرح الهواء الطلق في الحمامات وكانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا وخمس دقائق وغادره قبل الساعة الحادية عشرة ونصف ببعض الدقائق، فهل كان خلال الفترة التي قضاها على الركح عند حسن ظن عشاقه الذي قدموا وهم يمننون أنفسهم بأن تكون السهرة رائقة يسمعون خلالها أغانيهم المفضلة ويرقصون فيها على ايقاع الراي ويستمتعون بصوت مطرب لديهم العديد من الذكريات مع أغانيه الفردية والثنائية؟، وهل حقق الشاب مامي مراده ومراد الحاضرين، وأمتع الاخرين؟ أم كان بالإمكان أحسن مما كان.
عند دخوله الركح حظي الشاب مامي باستقبال كبير حيث وقفت الجماعية الحاضرة وصفقت له طويلا وشاركته الغناء إلى حد يمكن القول انها كانت جزء من فرقته التي ضمت تسعة عازفين.
ويمكن القول إن الاستقبال الحار الذي حظي به الشاب مامي والذي تواصل من بداية السهرة إلى نهايتها دون انقطاع تضمن عدة رسائل طمأنة ودعم للفنان، وكأن الجمهور يقول له لقد اخترت العودة إلى الأضواء من بوابة مهرجان الحمامات الدولي وجمهور هذا المهرجان العريق مشتاق اليك وسيدعمك ولن يخذلك فخذ الثقة في نفسك وغني لنا أغانيك التي مازلنا نحفظها عن ظهر قلب ونشتاق إلى سماعها إلى اليوم فهي مثل الذهب دائمة اللمعان ولا يتسلل إليها الصدأ وهي اجمل عندما تؤديها على المباشر بصوتك الشجي وبطريقتك الخاصة والمتفردة في الاداء وفي تقطيع الكلمات وفي تحويل المنطوق الى مسموع والمسموع إلى طرب يشنف آذان المستمعين ويحلي ليل الساهرين.
وتجاوبا مع التفاعل والترحاب الذي وجده من جمهور الحمامات حرص الشاب مامي على تقديم سهرة لا تنال الاعجاب فحسب وإنما تدرج ضمن قائمة أفضل العروض التي قدمت خلال الدروة 59 لمهرجان الحمامات الدولي، ولبلوغ هذه الغاية وتلبية مختلف الأذواق تعمد المراوحة بين أغانيه ذات الإيقاع السريع وقد تمايلت على انغامها الجماهير الحاضرة وبين أغانيه الهادئة والرومنسية والتي لا تقل شهرة عن النجاحات الفنية التي حققها طيلة مسيرته الفنية.
وتضم قائمة الأغاني التي قدمها الشاب مامي في هذه السهرة الرائقة والتي كانت بالنسبة لعدد كبير من الحاضرين من جيل التسعينات وجيل الالفين، سهرة الحنين واسترجاع الذكريات، عدة أغاني من بينها تذكر "Au pays des merveilles" و"أزوا"، وLET ME CRY وMA VIE 2 FOIS، وMADANITE وMELI-MELI A وTZAE-TZAE وKOUM TAR وDOUHA ولزرق وبلادي وMAMAZAREH، وHAOULOU ومقتطف من الأغنية التونسية الشهيرة "جاري يا حمودة".
ولئن كان الجمهور، وأنا موجود وسطه، في قمة السعادة والانبساط والنشوة ويعتبر نفسه من المحظوظين لأنه تمكن من قنص تذكرة وسط الاقبال الكبير على العرض ونفاذ التذاكر في وقت قياسي، واستمتع بحلاوة صوت نجم السهرة الفنان العالمي الشاب مامي واستحسان خياراته الفنية فإن ذلك كاد يتلاشى كما يتلاشى زبد البحر عندما اعلن الشاب مامي مباشرة بعد الانتهاء من أداء أغنية "فاطمة" ودون تمهيد مسبق عن نهاية الحفلة.
ومما زاد في دهشة الجماهير التي كانت تمني النفس بأن تكون السهرة أطول وأن تتضمن أغاني أخرى يعشقونها عدم منح الشاب مامي الفرصة للجمهور لمطالبته بالمزيد فقد أسرع في العودة إلى الكواليس دون أن يلتفت إلى الوراء، ودون أن يتساءل: هل جمهوري راض عني؟ هل قصرت في حقه؟ هل ما قدمتها وصل به إلى أقصى درجات السعادة والرضا الممكنة؟ وهل كان متماشيا مع سقف انتظاراته وحجم تضحياته؟
وما هو مؤكد انطلاقا مما سمعته من الجماهير التي كانت بجانبي وهي تستعد للمغادرة أن الشعور بالدهشة كان مضاعفا لدى من واكب حفل الشاب مامي في مهرجان الحمامات الدولي خلال صائفة 2011 فقد دام الحفل في تلك السنة قرابة الساعتين، في حين تقلصت مدته بحولي 40 دقيقة في صائفة 2025، في المقابل تضاعف الرصيد الفني للشاب مامي بما يسمح له بمواصلة السهرة بكل أريحية واسعاد من اسعده وادار ظهره لدعوات مقاطعة عرضه وذلك بأداء أربع أو خمس أغاني أخرى تروي عطش الحاضرين وتضاعف سعادتهم بالحضور. لكن ذلك لم يحصل وهي إحدى النقاط السلبية في تقديري لهذا العرض.
وعموما هذا التصرف يتوخاه عدد لابأس به من الفنانين الذين يستعجلون العودة إلى الكواليس ولا يتجاوبون مع مطالبة جماهيرهم بالمزيد.
للأسف سخاء الفنان مع جمهوره أضحى صفة نادرة في الوقت الراهن بالرغم من أنها ترفع من قيمة الفنان لدى عشاقه وتوسع دائرتهم والعكس بالعكس، وكما يقول أبو الطيب المتنبي في بيت شهير مدرج ضمن الحكم:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائم
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
مقال بقلم: رياض سكمة