تقنية ولوحات وهو يتجه من ذلك للانشغال بتقنية التشكيل وفضاءها في لعبة الظلال والالوان، مانحا للوحة (الفرسان) مثلا إطلالة تنتقي في إضاءة بانورامية، نقاط الالتقاء بين انتباه الفرسان وحركة الخيول، أيضا التباين بين لوني (الجرود) و الأرضية والخيول تضعك في قلب التفاصيل والتناص مع مشاهد أخرى كبرج الساعة وفندق الودان وسوق المشير، هي وسائط متعالقة مع ذائقة المتلقي الباحث عن همس الألوان في ذاكرته .
وهو تلتقي أيضا مع مسحة وجه العجوز المتفكر في مشاغل الدنيا وهمومها، انها ترحل بعيدا في فضاءات أحلامه وصباه ثم ترتد إلى حيث يحضر الاني الضاغط على زناد الوقت وضرورات العيش.
ولاتمضي هذه الالماحة الا لتقف عند اقواس المدينة القديمة ودروبها وهي تغازل هدير أمواج المتوسط. لا يخلص الدالي في واقعيته الا ليتشبع بمفرداتها وخصائصها متواصلا بعدها مع التجريد الذي يمنحه دفقا اخر من الابحار في مسالك الألوان، هي كما يقول تجربة جاءت تتويجا لرحلته مع التفاصيل لتصبح هذه التفاصيل رافعة للاطلالة على الموضوعات والأفكار في صيغتها الفلسفية، اي نقل لغة الريشة من الوضوح إلى الإبهام طلبا لتفسير مرادف يراه الشريك الآخر (المتلقي) الباحث عن مفاتن التأويل.
هذا الشغف المتحرك على أكثر من أرضية ينبعث من خلاصة أربعة عقود جاور فيها الدالي الريشة وخاض تجاربه بكل جرأة.